العلمانيون المترشحون على قائمة إسلاموية أو طائفية*

كلامي هذا بلا شك غير متوجه إلى الجمهور الناخب عن قناعة للإسلاميين أو لحاملي لواء تمثيل مصالح الطائفة الشيعية، أو مصالح الطائفة السنية، فبلا شك إن كلامي لا يؤثر في قرار هؤلاء، لأنهم حسموا خيارهم عن قناعة، نختلف معهم فيها. كما عن كلامي غير متوجه إلى الذين حسموا أمرهم مثلي في انتخاب التحالف المدني الديمقراطي، وإنما هو متوجه إلى الذين لا يملكون وضوحا وحسما بعد، لأي قائمة يمنحون أصواتهم، والذين لأي سبب هم غير مقتنعين، أو غير مقتنعين بعد بالتحالف المدني الديمقراطي، ولكنهم في نفس الوقت لا يريدون انتخاب مرشحين من الإسلاميين، وخاصة أولئك الذين لم يستطيعوا تجاوز الانتماء لهذه أو تلك الطائفة، فيبحث الشيعة منهم عن شيعي علماني في قائمة شيعسلاموية، ويبحث السنة منهم عن مرشح سني علماني في قائمة للطائفة السنية. هنا علينا ان نذكر إن القوائم التي كانت تصرّ على العزف على وتر التدين، ووتر الانتماء للمذهب، وتصرّ على استخدام النصوص والرموز الدينية، وتصرّ على أن تكون مرشحاتها من الموشحات بالعباءات السوداء، دون الاكتفاء بالحجاب من غير عباءة، أصبحت هذه القوائم تجعل على رأس قائمتها مرشحا (علمانيا)، ومرشحات سافرات. وهكذا نجد قائمة من الطائفة الثانية عرفت بخطابها الطائفي والعروبي، نرى قد ترشحت من خلالها شخصيات (علمانية) من طائفتها. وعندما أصف هؤلاء وأولئك بالعلمانية، فبلا شك مع التحفظ، لأننا نرى العلمانية المقترنة بالديمقراطية ومبدأ المواطنة، لا يمكن لها أن تتأطر مذهبيا أو دينيا أو قبليا أو عرقيا. وموازاة للظاهرة آنفة الذكر نرى في المقابل قائمة تريد أن تكون منافسة للتحالف المدني الديمقراطي، راحت تقدم مرشحين إسلاميين، وإن كانوا قد انفصلوا عن أحزابهم الإسلامية دون تخليهم عن إسلاميتهم، بل منهم من راح يستخدم تحوله من دينه إلى دين ومذهب الأكثرية مادة لدعايته الانتخابية. أقول العلماني الذي يترشح على (دولة القانون) أو (المواطن) أو (الأحرار) أو (الإصلاح/ الجعفري) أو (متحدون) أو (العربية)، يكون قد تخلى على مستوى الترشح والانتماء لهذه أو تلك القائمة الانتخابية عن هويته السياسية العلمانية أو المدنية، واختار الانتماء لمشروع الطائفة، أو مشروع الأسلمة المتخفية وراء شعارات المواطنة والمدنية. لذا على الناخبين من أصحاب الاتجاه المدني الديمقراطي، ألا ينخدعوا بمرشحين عرفوا بعدم إسلاميتهم، وعدم شيعية أو سنية توجهم السياسي، عندما يكونون قد ترشحوا على قوائم إسلامية، أو شيعية، أو سنية. شخصية السياسي لا تتحدد من خلال توجهاته الذاتية فحسب، بل من خلال انتمائه، فالانتماء ركن أساسي من الهوية السياسية. وأعني بالانتماء على حد سواء، إن كان انتماءً ثابتاً، أو انتماءً طارئاً لغرض الترشح، وسواء كان انتماءً حزبياً، أو انتماءً ائتلافياً. إذن إذا أردنا ألا نعطي أصواتنا للفاسدين، ولا للإسلامويين، ولا للطائفيين، ولا للفاشلين، ولا للمتاجرين بالدين والمذهب والمرجعية والشعائر والمقدسات، ولا للمؤسسين للتخندقات الطائفية، وإذا أردنا أن نبحث عن بدائل ديمقراطية وطنية نزيهة كفوءة مدنية، فلنبحث عن مرشحينا في القوائم المدنية الديمقراطية الوطنية، لا في القوائم التي ترأسها عمامة أو تلك التي حملت مشروع ما سمي بأسلمة المجتمع، ولا في تلك التي تورط أعضاؤها في الفساد، أو تحوم شبهة الفساد حولهم، أو تسترت، أو تستر رؤساؤها أو رموزها على الفاسدين، وسهلوا هروبهم من القضاء بثرواتهم المسروقة إلى خارج العراق، ولا الذين اتخذوا من دولة القانون والمواطن والإصلاح شعارات، كانوا أبعد ما يكونون عن مضامينها الحقيقية، ولا تلك التي تفنن زعماؤها في خلق الأزمات وتصعيدها. دعونا نبحث عن البديل من الوسط الصالح ليكون بديلا، لا الوسط الذي ركب لسنوات موجة الدين، واليوم نراه يركب موجة التظاهر بالحداثة والاقتراب المنافق من العلمانية.